كان صيف مدينة رياس البحر فصلا حيويا وحميميا تنسجم فيه وتتكامل طقوس القيلولة و"القعدات" سواء أكان ذلك داخل القصور والدّْوِيرَات أو بالأزقة في طلق الهواء حول أكواب الشاي والقهوة والحكايات والأحاجي والغناء...
عندما كانت مدينة الجزائر تعيش من البحر أكثر مما تقتات من البر، كان طبيعيا أن يميل سكانها إلى قضاء عطلهم الصيفية بعيدا عن ضوضاء المرسى ونسيم الشواطئ الممتدة الأطراف تحت أسوار المدينة.
آنذاك، لم يكن الاصطياف على شواطئ سيدي فرج ونادي الصنوبر وموريتي قد وُلد بعد...
عندما كانت مدينة الجزائر تعيش من البحر أكثر مما تقتات من البر، كان طبيعيا أن يميل سكانها إلى قضاء عطلهم الصيفية بعيدا عن ضوضاء المرسى ونسيم الشواطئ الممتدة الأطراف تحت أسوار المدينة.
آنذاك، لم يكن الاصطياف على شواطئ سيدي فرج ونادي الصنوبر وموريتي قد وُلد بعد...
عندما يحل فصل الصيف، كان الأثرياء وأعيان "المحروسة بالله" يرحلون برفقة عائلاتهم إلى الفحص، الريف المجاوِر في الضواحي القريبة، بعيدا عن صخب الأسواق والقوافل المرابطة عند سور باب عزون حيث يوجد المسرح الوطني الجزائري حاليا فينتشرون بالأبيار وبوزريعة ونواحي عين الربط (Champs de Manoeuvres) وباب الوادي بفحص المدينة الشمالي الممتد إلى مرتفعات الزغارة ووادي المغاسل. وقد يبتعدون أكثر حتى نواحي سهل المتيجة والقليعة حيث كانت تنتشر قصورهم وبساتينهم الجميلة . وهذا هو سر تواجد عدد من القصور العتيقة ذات الطابع "التركي"/الأندلسي بهذه المناطق.
الداي الذي كان يقيم بقصر الجنينة في ساحة الشهداء التي نعرف اليوم كان ينتقل إلى إحدى إقاماته الريفية القريبة بنواحي الأبيار أو بن عكنون للاستراحة على الأقل في يوم العطلة الأسبوعية الذي كان يصادف يوم الثلاثاء.
وعندما جاء الداي حسن، أو حسان، إلى الحُكم في عام 1792م إثر وفاة الداي محمد عثمان باشا، بنى لنفسه روضة كبيرة مترامية الأطراف تضم مجموعة من القصور الفخمة في باب الوادي خارج الأسوار، اشتهرت باسم "جنان حسان" الذي لم يبق منه حاليا إلا بعض البنايات والأشجار العتيقة بعد أن بنى محله الاستعمار الفرنسي مستشفى "مايو" (Maillot). هناك، كانت عائلته تمضي فصل الصيف.
أما عندما تلاه ابن أخته في الحُكم الداي مصطفى باشا (1798م – 1805م) فقد اختار أعالي ريف أو ريف "ثَالاَ وَمْلْيِ"، أو "تِيلِيمْلِي"، وعين الربط (الشَّامُونُوفْرْ) موقعا لإنجاز بستانه الخاص وإقامته الصيفية الشخصية التي سوف تشتهر بـ: جنان مصطفى". وقد بقي حتى اليوم تحفة معمارية رائعة رغم تقلص مساحته كثيرا منذ دخول المحتلين الفرنسيين إلى البلاد. وهو يُشكِّل حاليا بما تبقّى من قصوره وأشجاره الباسقة المتنوعة الجزء الأكبر مما يُعرَف بـ: قصر الشعب.
منذ عهد الداي الأخير الذي أقام لنفسه قصرا آخر فخما وراء قصر الجنينة، مقر السلطة المركزية، يتمثل في قصر مصطفى باشا الذي تحول إلى مديرية الشؤون الدينية المشهور بقصر الشتاء (Palais d’Hiver) لدى المحتلين، سوف يبرز تقليد جديد لدى الدايات. كلما حل فصل الصيف، ينتقل الحُكّام إلى جنان مصطفى باشا للإقامة بقصره هناك الذي اشتهر بـ: قصر الصيف (Palais d’été) منذ احتلال البلاد عام 1830م. وحتى الحُكَّام المحتلين اتبعوا هذا التقليد إلى غاية ثلاثينيات القرن 20م إلى أن تم بناء قصر الحكومة المطل على بناية البريد المركزي النيوموريسكية الطابع المعماري وفق ذوق الحاكم العام الفرنسي في الجزائر شارل جونار.
أما الحياة اليومية لعائلات الدايات والأعيان والأثرياء هناك فكانت بسيطة لا تختلف كثيرا عن حياة العامة من الناس إلا في بعض السلوكات ومظاهر الترف ولم تكن تحت وطأة غرائب نخبتنا الحاكمة المعاصرة في منتجع مُوِريتِي ونادي الصنوبر... بل كانتْ أُسَر الدايات والأرستقراطية تقضي أيامها ولياليها وأمسياتها في انسجام كامل مع عادات وتقاليد وقيم كل الجزائريين النابعة من الأطر العامة للديانة الإسلامية منذ قرون طويلة حتى وإن لم يَرِدْ ذِكْرُها إلا نادرا في كتب المؤرخين والرحالة لاستحالة دخول بيوت الجزائريين من طرف "البَرَّانِي"، لا سيما أن حسَّهم بـ: "الحُرْمَة" كان قويا جدا.
من بين هذه القصور الصيفية، أو بالأحرى إقامات العُطل والنقاهات،يمكن ذكر فيلاَّ الرَّايَسْ حَمِّيدُو في الأبْيَار حيث مستشفى أرزقي كحال حاليا، وقصر الصيف وقصر الشتاء سابقي الذكر، وجنان خوجة الخيل المحاذي لقصر الصيف، وجنان حسان بباب الوادي، وفِيلاَّ، بل دار، عبد اللطيف بضاحية الحَامَّة على مرمى حجر من حديقة التجارب وعلى مقربة من مغارة سِيرْفَانْتِيسْ الكاتب الإسباني الأسير ميغال دي سيرفانتيس والمتحف الوطني للفنون الجميلة، وجنان المفتي بِبُوزَرِّيعَة، والجنان الأخضر، وقصر مَامِي وكذلك دار تْشْكِيكَنْ بالأبْيار التي كانت مِلْكًا لوزير البحرية الجزائري أو وكيل الخرج.
خلال فصل الصيف وحرارته الخانقة، حتى وإن كانت الطبيعة المعمارية لمدينة الجزائر العثمانية بأزقتها الضيقة و"سَبَاطَاتها" تخفف من لفحها وقساوتها، يميل السكان إلى تخصيص فترة ما بعد الظهر للقيلولة في البيوت التي تحتفظ بحد أدنى من الرطوبة والاعتدال. أما بعد "القايْلة"، فتبدأ قَعْدات المساء و"القُصْرَة" حول أكواب القهوة والشاي اللذين أكرمهما مطربو المدينة منذ زمن طويل بأغنية طريفة وجميلة مشهورة بـ: "القوة والأتايْ يا الفاهم دخلوا متخاصمين...". وقد تطول هذه اللقاءات العائلية حتى المغرب وقد تتحوَّل إلى سهرات بعد صلاة العشاء تستمر حتى طلوع الفجر. وتتخذ مقرا لها أفنية القصور والدِّيار أو الدويرات، حسب الحجم، أو على السطوح الجميلة المطلة على البحر، لا سيما بالنسبة للنساء.
كما تحتضن المقاهي الشعبية هذه المجالس الصيفية الدافئة على غرار "القهوة الكبيرة" و"القهوة الصغيرة" و"قهوة البُوزَة" ومقهى القيصرية وغيرها. وتساعدها محلات الحلاقة في هذه الوظيفة الاجتماعية الترفيهية.
في فصل الصيف، تكثر الأعراس ومجالس التسلية بالمدينة "المحروسة"، وتعم البهجة كل أطرافها تحت أنغام الزرنة وإيقاعات الطبول ونوبات "الصنعة" والحْوَازَة والعْرُوبِيَّات والزِّنْدَانِيَّات بأصوات كبار الفنانين وعمالقة هذا الفن من أمثال بن سالم وعْمِيمْرَات والوَنَّاسْ.
الداي الذي كان يقيم بقصر الجنينة في ساحة الشهداء التي نعرف اليوم كان ينتقل إلى إحدى إقاماته الريفية القريبة بنواحي الأبيار أو بن عكنون للاستراحة على الأقل في يوم العطلة الأسبوعية الذي كان يصادف يوم الثلاثاء.
وعندما جاء الداي حسن، أو حسان، إلى الحُكم في عام 1792م إثر وفاة الداي محمد عثمان باشا، بنى لنفسه روضة كبيرة مترامية الأطراف تضم مجموعة من القصور الفخمة في باب الوادي خارج الأسوار، اشتهرت باسم "جنان حسان" الذي لم يبق منه حاليا إلا بعض البنايات والأشجار العتيقة بعد أن بنى محله الاستعمار الفرنسي مستشفى "مايو" (Maillot). هناك، كانت عائلته تمضي فصل الصيف.
أما عندما تلاه ابن أخته في الحُكم الداي مصطفى باشا (1798م – 1805م) فقد اختار أعالي ريف أو ريف "ثَالاَ وَمْلْيِ"، أو "تِيلِيمْلِي"، وعين الربط (الشَّامُونُوفْرْ) موقعا لإنجاز بستانه الخاص وإقامته الصيفية الشخصية التي سوف تشتهر بـ: جنان مصطفى". وقد بقي حتى اليوم تحفة معمارية رائعة رغم تقلص مساحته كثيرا منذ دخول المحتلين الفرنسيين إلى البلاد. وهو يُشكِّل حاليا بما تبقّى من قصوره وأشجاره الباسقة المتنوعة الجزء الأكبر مما يُعرَف بـ: قصر الشعب.
منذ عهد الداي الأخير الذي أقام لنفسه قصرا آخر فخما وراء قصر الجنينة، مقر السلطة المركزية، يتمثل في قصر مصطفى باشا الذي تحول إلى مديرية الشؤون الدينية المشهور بقصر الشتاء (Palais d’Hiver) لدى المحتلين، سوف يبرز تقليد جديد لدى الدايات. كلما حل فصل الصيف، ينتقل الحُكّام إلى جنان مصطفى باشا للإقامة بقصره هناك الذي اشتهر بـ: قصر الصيف (Palais d’été) منذ احتلال البلاد عام 1830م. وحتى الحُكَّام المحتلين اتبعوا هذا التقليد إلى غاية ثلاثينيات القرن 20م إلى أن تم بناء قصر الحكومة المطل على بناية البريد المركزي النيوموريسكية الطابع المعماري وفق ذوق الحاكم العام الفرنسي في الجزائر شارل جونار.
أما الحياة اليومية لعائلات الدايات والأعيان والأثرياء هناك فكانت بسيطة لا تختلف كثيرا عن حياة العامة من الناس إلا في بعض السلوكات ومظاهر الترف ولم تكن تحت وطأة غرائب نخبتنا الحاكمة المعاصرة في منتجع مُوِريتِي ونادي الصنوبر... بل كانتْ أُسَر الدايات والأرستقراطية تقضي أيامها ولياليها وأمسياتها في انسجام كامل مع عادات وتقاليد وقيم كل الجزائريين النابعة من الأطر العامة للديانة الإسلامية منذ قرون طويلة حتى وإن لم يَرِدْ ذِكْرُها إلا نادرا في كتب المؤرخين والرحالة لاستحالة دخول بيوت الجزائريين من طرف "البَرَّانِي"، لا سيما أن حسَّهم بـ: "الحُرْمَة" كان قويا جدا.
من بين هذه القصور الصيفية، أو بالأحرى إقامات العُطل والنقاهات،يمكن ذكر فيلاَّ الرَّايَسْ حَمِّيدُو في الأبْيَار حيث مستشفى أرزقي كحال حاليا، وقصر الصيف وقصر الشتاء سابقي الذكر، وجنان خوجة الخيل المحاذي لقصر الصيف، وجنان حسان بباب الوادي، وفِيلاَّ، بل دار، عبد اللطيف بضاحية الحَامَّة على مرمى حجر من حديقة التجارب وعلى مقربة من مغارة سِيرْفَانْتِيسْ الكاتب الإسباني الأسير ميغال دي سيرفانتيس والمتحف الوطني للفنون الجميلة، وجنان المفتي بِبُوزَرِّيعَة، والجنان الأخضر، وقصر مَامِي وكذلك دار تْشْكِيكَنْ بالأبْيار التي كانت مِلْكًا لوزير البحرية الجزائري أو وكيل الخرج.
خلال فصل الصيف وحرارته الخانقة، حتى وإن كانت الطبيعة المعمارية لمدينة الجزائر العثمانية بأزقتها الضيقة و"سَبَاطَاتها" تخفف من لفحها وقساوتها، يميل السكان إلى تخصيص فترة ما بعد الظهر للقيلولة في البيوت التي تحتفظ بحد أدنى من الرطوبة والاعتدال. أما بعد "القايْلة"، فتبدأ قَعْدات المساء و"القُصْرَة" حول أكواب القهوة والشاي اللذين أكرمهما مطربو المدينة منذ زمن طويل بأغنية طريفة وجميلة مشهورة بـ: "القوة والأتايْ يا الفاهم دخلوا متخاصمين...". وقد تطول هذه اللقاءات العائلية حتى المغرب وقد تتحوَّل إلى سهرات بعد صلاة العشاء تستمر حتى طلوع الفجر. وتتخذ مقرا لها أفنية القصور والدِّيار أو الدويرات، حسب الحجم، أو على السطوح الجميلة المطلة على البحر، لا سيما بالنسبة للنساء.
كما تحتضن المقاهي الشعبية هذه المجالس الصيفية الدافئة على غرار "القهوة الكبيرة" و"القهوة الصغيرة" و"قهوة البُوزَة" ومقهى القيصرية وغيرها. وتساعدها محلات الحلاقة في هذه الوظيفة الاجتماعية الترفيهية.
في فصل الصيف، تكثر الأعراس ومجالس التسلية بالمدينة "المحروسة"، وتعم البهجة كل أطرافها تحت أنغام الزرنة وإيقاعات الطبول ونوبات "الصنعة" والحْوَازَة والعْرُوبِيَّات والزِّنْدَانِيَّات بأصوات كبار الفنانين وعمالقة هذا الفن من أمثال بن سالم وعْمِيمْرَات والوَنَّاسْ.
Commentaires
Enregistrer un commentaire
اذا أعجبك الموضوع اترك تعليقك وشارك المقال
لإرسال استفسارات أو مشاركات يرجى زيارة صفحتنا على الفيسبوك
https://www.facebook.com/Awdziriat/